مرافئ بلا فنارات رواية (د.أروى يحيى عبدالرحمن الإرياني)

مهيب هو البحر، كريم يعطي نفسه للبشر فيشقون عبابه ويصلون إلى أطرافه بخيل هو البحر يحتوي على هذا الكم الهائل من الماء ولا يروي عطش أحد، ومع ذلك اتخذته صديقا واتفقنا أن أشاركه أسراري فلا يبوح بها المسافر ولا يخبر بها أحدا من سكانه في الأعماق. تذكرت نهر النيل وكيف وجدت صعوبة في أن أخاطبه وأبوح له بهمومي، عرفت الآن لماذا ؟! لأني قابلت نهر النيل وأنا ما زلت طرية الجرح، ما زالت اعماقي تبكي ألما وحرقة، شعرت في مصر وخاصة في بداية وصولي لها بأني ضيفة فهل تشكو الضيفة همومها لمضيفها ؟

ذهبت إليه مشيت حافية القدمين عند شاطئه، ناجيته عن قرب، همست له هل تعلم أيها البحر أننا نحلم دائما، لا تتوقف عن الحلم، وهل تعلم أن قتل الحلم أسوأ من قتل النفس، لأن قتل النفس نهاية تعود بها إلى بارئها، ولكن قتل الحلم هو عبارة عن موت بطيء أو حياة مع وقف التنفيذ. أعلم أيها البحر أنك تخفي في أعماقك الكثير من الأسرار وأعلم أنك مثلك مثل الحياة، تكون أحيانا هانجا غاضبا وأحيانا هادنا لطيفا، وأنك تترك لنفسك حرية التعبير عن مشاعرك وفرحك وحزنك ولا تأبه لما يريده منك البشر، ومنك سأتعلم أن أعبر عما يزعجني وأن أفرح بكل ما يهيه الله لي”.