في الثقافة الافرويمنية

في الثقافة الأفرويمنية 

والبُعد التنويري

رغم الحدود الجغرافية التي تفصل بين شعوب العالم المختلفة، ورغم تنوع الأنظمة السياسية وتقاصعاتها، يبقى الابداع الانساني مع القوى الناعمة المتمثلة في الفنون، إضافة الى التراث الأنساني ( المادي وغير المادي ) بمثابة حلقة الوصل التي تربط شعوب العالم بعضها ببعض، مؤكد وحدة النوع الإنساني من ناحية، وأواصر الانتماء والمحبة من ناحية اخرى.

وهذا الكتاب الذي بين أيدينا والذي يحمل عنوان (في الثقافة الأفرويمنية) يُقدِّم لنا فيه الباحثان الأستاذ الدكتور نزار غانم، والأستاذ محمد سبأ جهدًا بحثيًّا موضوعيًّا في هذا المجال.

فيبدأ الكتاب ببحثين للدكتور نزار غانم حول التراث غر المادي في العلاقة القوية التي تربط أفريقيا باليمن، بدأها بالمدخل التاريخي، ثم أهم الآلات الموسيقية والأغاني والرقاصات الشعبية التي تبرز أوجه التشابه بين الثقافة اليمنية والأفريقية، كما يستفيد من تخصصه الطبي في توظيف الهندسة الوراثية من خلال الحديث عن علم (الجينوم) الذي أكد وجود بعض الأصول الإفريقية لسكان بعض المدن الساحلية اليمنية.

ثم يتطرق الباحث الأستاذ محمد سبأ في أربعة مباحث إلى التراث المادي وغير المادي أيضًا، فتناول الحديث عن الملابس والحناء وتقاليد الأعراس وعلاقة الحضارة المصرية منذ عهد حتشبسوت باليمن وأفريقيا، وأن ملك بلاد بونت يرتدي الجنبية اليمنية، وتصميم البيوت في اليمن وعلاقتها بالطرز المعمارية في المغرب العربي بما يؤكد التواصل الحضاري وتبادلية التأثير والتأثر بين الحياة في اليمن والدول الأفريقية.

ونظرًا لطبيعة الكتاب الذي استند إلى أسانيد من الصور، مع المراجع الأكاديمية، دون تعصُّب، أو أفكار لا تتلاءم مع الفكر الموضوعي، لهذا فإنَّ القارئ للكتاب يدرك مدى أهميته في المكتبة العربية كتوثيق منهجي للعادات والتقاليد والفنون والأزياء بما يحفظ هوية المجتمعات من محاولة طمسها في ظل سيول العولمة الهادرة وطغيان تيارات طائفية تحاول النيل من تلك الهوية، ليحمل الكتاب بُعْدًا تنويريًّا يتمثل في الإيمان بالفنون كقوة ناعمة، والإيمان بالتعددية وقبول الآخر، الآخر الذي مهما اختلفنا معه أو فصلتنا عنه الحدود الجغرافية تبقى هناك أواصر مشتركة تدفعنا نحو المَحَبَّة والإخاء والسلام.

إبراهيم موسى النحَّاس

عضو اتحاد كُتّاب مصر